الإحساس بالوحدة مرير. هل جربت أن تشعر بأن هذا العالم الواسع الفسيح أضيق من خُرم إبرة، وإنك كمن تعيش فى مدينة ملاهى، وكأن كل هذا البشر والصخب والناس لا يستطيع أن ينقذك من إحساسك بأنك وحيد وانقطعت كل سُبل التواصل والتلاحم بين البشر.
من الطبيعى طبعاً أن يشعر شخص ما بالوحدة أو الفراغ من حوله لبعض الوقت، ولكن المشكلة أن هذا الوقت أحياناً يطول، أحياناً تنقطع كل درجات التواصل مع الحياة، بغض النظر عن الآخرين الذين يعيشون معك ومن حولك، بل فى أحيان كثيرة ما يزيدك هؤلاء الآخرون إلا عزلة وغربة وإحساساً بالوحدة.
المشكلة الأكبر. أن المرأة لديها حساسية زائدة إزاء الوحدة، فهى كائن سرعان ما ينسحب داخل قوقعته إذا فقد بوصلة التواصل مع الآخرين، ولذلك هى أكثر عرضة للأعراض الناجمة عن الوحدة أكثر بسبب القيود الاجتماعية المفروضة عليها.
يقول الدكتور يسرى عبدالمحسن، أستاذ الأمراض النفسية، بكلية طب جامعة القاهرة، إن الإنسان من الممكن أن يشعر بالوحدة فى فترة من فترات حياته وهذا طبيعى إنما غير الطبيعى أن يستمر الإحساس بالوحدة لفترة طويلة مما قد يؤدى إلى الإصابة بأمراض نفسية وأكثرها شيوعاً فى هذه الحالات هو الاكتئاب الحاد.
وعن العوامل التى تؤدى إلى الشعور بالوحدة قال هناك عوامل كثيرة تؤدى بالإنسان إلى الشعور بالوحدة منها النظرة المتدنية للذات والإحساس بعدم القيمة والتقييم السلبى للجسد والأمور الجنسية والمظهر الخارجى والسلوك والوظيفة، والعائلة عامل أساسى فى تعرض الشخص للشعور بالوحدة، وكلما كان المجتمع سريعا ومتحركا ومتغيرا كلما قلت أوقات بناء العلاقات بين الناس وبعضهم والتواصل بينهم، فمثلاً التليفزيون يساعد على عدم التواصل فى العلاقات مع الآخرين، حيث يفضل معظم الناس تمضية أوقات فراغهم أمامه على أن يمضون فى علاقات صداقة.
ويؤكد الدكتور يسرى أن الأسباب المحيطة بالإنسان من أهم العوامل التى قد تجعله يشعر بالوحدة فمثلاً فتاة يهجرها صديقها فجأة، شاب لا يهوى الرياضة فيبقى وحيداً بسبب انشغال أصدقائه عنه، الطالب الجامعى فى سنته الأولى وليس له صديق، انتقال العائلة من مكان إلى آخر يفقد الأبناء التواصل مع أصدقائهم القدامي، وهذا الشعور بالوحدة الذى تسببه الظروف غالباً ما يكون مؤقتاً يزول بمجرد زوال السبب.
وأيضاً الخوف يجعل الشخص يشعر بالوحدة لأنه يبنى حواجز لإبعاد الآخرين عنه بسبب الخوف من الألفة والعلاقات الحميمة والخوف من مواجهة رفض الآخرين.
وبسبب مشاعر الغضب والحقد والعدوانية الموجودة فى قلوب البعض تشعر أصحابها بالوحدة وتعزلهم عن الآخرين مما يؤدى إلى مشاعر من الإحباط والغضب من الآخرين، مما يزيد من وحدة الشخص ووجوده داخل دوامة من العواطف والمشاعر.
ويشير إلى أن عدم القدرة على التواصل من أهم أسباب الشعور بالوحدة ففقدان التواصل هو أساس كل المشاكل بين الأفراد، فعندما لا يرغب الناس فى التواصل مع الآخرين أو يجهلون كيفية التواصل فإنهم يشعرون بالانعزالية والوحدة على الرغم من أنهم محاطون بأناس كثيرين.
وأضاف الدكتور عبدالمحسن: إن هناك أسبابا كثيرة متنوعة للشعور بالوحدة منها: الشعور بالخجل والشعور بأن الآخرين أساءوا فهمي، خلاف لم يتم تسويته مع الآخرين، الانفصال والابتعاد عن الذين نحبهم، انتقاد الآخرين، الشعور بعدم الحاجة إلى الآخرين الشعور بالرفض، الانشغال، وفاة أحد المقربين سواء من العائلة أو من الأصدقاء.
وأوضح أن الفئة التى تواجه مشكلة الشعور بالوحدة هم المراهقون، فى هذه الفترة العمرية يشعر المراهق أو المراهقة بالحاجة الكبرى لقبوله من المحيطين به.
وتؤكد الدكتورة منى رضا، أستاذ الأمراض النفسية كلية طب جامعة عين شمس، أن المرأة تعانى الوحدة أكثر من الرجل، بسبب القيود الاجتماعية المفروضة عليها والتى تولد ضغطاً نفسياً بشكل أو بآخر، فالعوانس والمطلقات والأرامل ينحسر إحساس الوحدة لديهن بسبب عدم وجود الزوج فى حياتهم أما المرأة المتزوجة فيزداد هذا الإحساس لديها إذا كانت لا تعمل وكان زوجها منشغلاً عنها دائماً، فالشعور بالوحدة يولد إحساساً بالاكتئاب والإحباط وانفصام الشخصية بحالات متقدمة.
وتوضح الدكتورة منى أن هناك دراسة توضح أن المرأة المهملة من زوجها أكثر شراءً للأشياء ذات الماركات المشهورة فيجد الزوج نفسه يدفع الثمن غالياً ضريبة لإهماله، فالتسوق يعزز لديها الثقة بنفسها، حيث ترى أنها قادرة على اختيار الأفضل بالنسبة لها دون سماع انتقادات الزوج.
تصاب المرأة بإدمان الشراء للتخلص من الشعور بالوحدة فتجد النزول والتسوق متنفساً لها عن إهمال زوجها، وتجد فى هذه الحالة أن التسوق قادر على ملء بعض الفراغ العاطفى الذى تشعر به، المرأة المهملة من قبل زوجها تنسى هذا الإهمال عندما تصر على الخروج إلى مركز التسوق لشراء فستان جديد أو مواد ماكياج لتعويض الشعور بأنها لم تعد جذابة فى نظر زوجها، فنساء كثيرات يترددن على عيادات الطب النفسى للمعالجة منه، ويتضح من خلال بضع جلسات أن هذا الإدمان هو مجرد رغبة فى الاستهلاك وليس رغبة ناجمة عن الحاجة.
وعن أضرار الشعور بالوحدة على الإنسان تقول الدكتورة مني، إن هناك عواقب كثيرة لهذا الشعور، فهو يؤثر ويصيب كل جزء من كياننا، آمالنا، طموحاتنا أحلامنا، حيويتنا، رغباتنا، وأيضاً أجسادنا، فالبؤس الذى يرافق الشعور بالوحدة يظهر فى الآلام التى يشعر بها الفرد فى جسمه سواء كانت هذه الآلام خيالية أو حقيقية، ومن الأعراض الشائعة الأكتاف المنحنية، والصمت والسكون، والسير ببطء، والانسحاب والانعزال.
إضافة إلى أنه عندما يشتد الشعور بالوحدة ينظر الشخص لنفسه على أنه غير محبوب وغير جدير بالمحبة وينظر إلى عدم وجود أصدقاء له بأنه فشل شخصى منه وانعكاس لنظرة الآخرين له، فهم يرونه عديم القيمة بالنسبة لهم، ونتيجة لكل هذه المشاعر ينسحب الشخص ويعانى من الرثاء للنفس والتركيز على ذاته، فالإحساس بالوحدة يولد الاكتئاب الذى يقوده إلى اليأس، وقد يتطور ويقود الشخص إلى الانتحار، فالعنف هو أحد النتائج العرضية للشعور بالوحدة، فالأشخاص الذين يشعرون بالوحدة ويتصفون بالغضب ميالون إلى التعبير عن إحباطهم من شعورهم بالوحدة بطرق هدامة وعنيفة، وقد يلجأون إلى تناول المخدرات والكحوليات للهروب من الحالة التى هم عليها، فهم يريدون أن يطمسوا أحزانهم ويخفوها، وأيضاً يحاولون تنمية صداقات مع المدمنين الآخرين.
يقول الدكتور محمد فكري، أستاذ الطب النفسى كلية طب جامعة القاهرة: الشعور بالوحدة يختلف باختلاف الأشخاص وكذلك باختلاف طبيعة شعورهم بها، مشيراً إلى أن أعراض الوحدة النفسية هى الشعور بالعزلة، والاكتئاب، والاغتراب والوحشة والانطواء حتى فى حضور الآخرين، وهو اضطراب نفسى يعبر عن اغتراب الذات عن هويتها وعن الواقع والمجتمع، وهو غربة عن النفس وعن العالم.
وأشار إلى أن هناك أنواعاً كثيرة من الوحدة التى يمكن أن يشعر بها الإنسان ومنها الوحدة العاطفية والتى تتولد بسبب فشل علاقة عاطفية، وأيضاً هناك وحدة اجتماعية، حيث إن من يفتقد مجموعة من الأصدقاء والأشخاص الذين كانت تربطهم به صداقات أو علاقات اجتماعية بسبب الانتقال إلى مكان جديد أو تغيير سكن أو غيرها، فإن الفرد وفى هذه الحالة يتولد لديه شعور بالوحدة الاجتماعية. وهناك أيضاً الوحدة النفسية الناشئة عن الانعزال الانفعالى والتى يرجع سببها إلى انعدام الروابط الاجتماعية سواء فى محيط الأسرة أو العمل أو المحيط الاجتماعى العام ويشعر بالوحدة النفسية الكثير من الأشخاص نتيجة تعرضهم لبعض المتغيرات المستجدة فى حياتهم والتى تؤثر فيهم سلباً مثل وفاة شخص عزيز عليهم.
ويوضح الدكتور فكرى أن لكل حالة من هذه الحالات علاج مختلف لها يختلف بطبيعة الحالة ومدى عمقها وتأثيرها فى أصحابها وكذلك مدى تقبل الشخص نفسه التخلص منها.
تابعني على الفيس بوك